أكاديمية المهدي بنبركة للأبحاث و الدراسات الاجتماعية و الثقافة العمالية

وطيلة هذه الفترة السابقة، لم يغب عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وهي في غمرة انشغالها اليومي والمتعدد ببرنامجها الاجتماعي، ان تفكر في سبل جديدة لربط الفكر والبحث العلمي بالمسألة الاجتماعية وما يتصل بها؛ وذلك نظرا للتحولات المتسارعة التي يعرفها العالم منذ بداية الالفية الثالثة في كل المجالات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية، و التي مردها بالاساس الى التطور العلمي و المعرفي الذي عرفته أغلب فروع العلوم و التكنولوجيا، لان تقدم المجتمعات و رقيها، و بناء الحضارات و عمرانها، لا يمكن ان  يستقيم الا من خلال تملك ناصية العلم و المعرفة.

 إن كل هذه التحولات المتسارعة أثرت و بشكل مباشر على كل ما هو اجتماعي، و لكي تواكب الكونفدرالية الديمقراطية للشغل هذه التحولات و تحافظ على مكانتها كقوة اقتراحية، و باعتبارها ميراثا للحركة الوطنية التقدمية و اليسارية خاصة، اضاءت لها الطريق منارات و قامات مشرقة من امثال المهدي بنبركة و عمر بنجلون و غيرهم من ابناء هذا الوطن، و ايمانا منها بجدلية الفكر و الممارسة، دأبت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، على امتداد مسيرتها النضالية، عل تنظيم العديد من الندوات الفكرية، و انتجت و ساهمت في انتاج تقارير و دراسات راكمت من خلالها رصيدا معرفيا مهما، هذا الرصيد شكل – الى جانب الفعل النضالي اليومي- فعلا تاريخيا مقاوما في ظل اوضاع اصبحت تشكل سؤالنا الوجودي كمواطنين مغاربة، و سؤال فعلنا للاستمرار التاريخي كشعب و كحركة نقابية مناضلة. سؤال يحولنا من أمة في طور عملية تاريخية مستمرة و عسيرة من التشكل الى أمة تدخل التاريخ من بابه الواسع، الامر الذي يفرض علينا كأمة انتاج الفكر و المعرفة كتجسيد لارادة الدفاع عن هويتنا التي تشكلت عبر قرون، و هي مهددة الآن بكل الاشكال و الاساليب. ان مقاومتنا كحركة نقابية تقدمية يسارية، هي من اجل تكوين وعي تاريخي، و خلق انسان مغربي يؤمن بإمكاناته و ينئى بنفسه عن كل فكر مهزوم ، لان المقاومة هي الفعل الحقيقي الوحيد في التاريخ.

و مساهمة من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في تكوين هذا الوعي التاريخي و خلق مواطن يؤمن بامكاناته و بالمستقبل، جاءت فكرة تأسيس اكاديمية للدراسات و الابحاث الاجتماعية كإطار بهذا الأفق الذي يمنح مساحة أخرى  للتفكير والبحث والدرس، وقد جاء ربط هذا الإطار باسم المهدي بنبركة، المفكر والباحث والمنظر لمشروع المجتمع الجديد الحداثي والديمقراطي، حتى يصبغ بُعده الرمزي مسار العمل، خصوصا أن المهدي بنبركة، في فكره و نضاله، كان منشغلا بالمسألة الاجتماعية. انه منارة من المنارات التي اضاءت درب كل مقاومة تسعى الى شق طريقها وسط عتمة الظلم و القهر و الاستبداد، ففكر المهدي أنار ليس فقط الوطن و العروبة بل تعداهما الى العالمية و الانسانية، و مبادرتنا هذه هي بمثابة تجديد للعهد معه، و قسم جديد مع هذا الرجل ذي الفكر الثاقب، الذي يتقاسم الكثيرون فكره و قيمه و مبادئه، و ما أحوج مغربنا اليوم الى فكره النقدي و صلابته و شجاعته و وضوح رؤيته و ثباته على مواقفه. 

في هذا الإطار يأتي تأسيس  أكاديمية المهدي بنبركة من أجل إنجاز الدراسات و الأبحاث في مختلف المجالات الفكرية، بوعي متجدد وأفق منفتح وشجاعة ضرورية، والمساهمة في التنمية الثقافية من خلال تنظيم محاضرات وندوات ولقاءات لتطعيم التفكير حول مختلف قضايا الموضوع وذلك بإشراك الأوساط الثقافية والعلمية و المهنية المهتمة، وتشجيع البحث والباحثين ودعمهم، وبموازاة كل هذا جمع وتوثيق التراث الفكري للمهدي بنبركة ومشروعه المجتمعي، والتعريف بإسهامات الحركة النقابية المغربية وأعلامها.